فصل: شهر رمضان سنة 1230:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر رمضان سنة 1230:

والناس في أمر مريج وتخوف شديد وملازمون للسهر على الكرنك ويتحاشون المشي والذهاب والمجيء وكل أهل خطة ملازم لخطته وحارته كل وقت يذكرون وينقلون بينهم روايات وحكايات ووقائع مزعجات وتطاولت أيدي العساكر بالتعدي والأذية والفتك والقتل لمن ينفردون به من الرعية.
وفي ثاني ليلة، طلع السيد محمد المحروقي وطلع صحبته الشيخ محمد الدواخلي نقيب الأشراف وابن الشيخ العروسي وابن الصاوي المتعينون في مشيخة الوقت وصحبتهم شيخ الغورية وطائفته وقد ابتدؤا بهم في إملاء ما نهب لهم من حوانيتهم بعدما حرروها عند السيد محمد المحروقي وتحليفهم بعد الإملاء على صدق دعواهم وبعد التحليف والمحاققة يتجاوزعن بعضه لحضرة الباشا ثم يثبتون له الباقي فاستقر لأهل الغورية خاصة مائة وثمانون كيساً فدفع لهم ثلثيها وأخر لهم الثلث وهو ستون كيساً يستوفونها فيما بعد أما عن عروضهم إن ظهر لهم شيء منها أو من الخزينة ولازم الجماعة الطلوع والنزول في كل ليلة لتحرير بواقي المنهوبات وأيضاً استقر لأهل خان الحمزاوي نحو ثلاثة آلاف كيس كذلك ولطائفة السكرية نحو من سبعين كيساً خصمت لهم من ثمن السكر الذي يبتاعونه من الباشا واستمر الباشا بالقلعة يدير أموره ويجب قلوب الناس من الرعية وأكابر دولته بما يفعله من بذل المال ورد المنهوبات حتى ترك الناس يسخطون على العسكر ويترضون عنه ولو لم يفعل ذلك وسارت العساكر هذه الثورة ولم يقع منهم نهب ولا تعد لساعدتهم الرعية واجتمعت عليهم أهالي القرى وأرباب الإقطاعات لشدة نكايتهم من الباشا بضبط الرزق والالتزامات وقياس الأراضي وقطع المعايش وذلك من سوء تدبير العسكر وسعادة الباشا وحسن سياسته باستجلابه الخواطر وتملقه بالكلام اللين والتصنع ويلوم على فعل العسكر ويقول بمسمع الحاضرين ما ذنب الناس معهم خصوصاً خصامهم معي أو مع الرعية ها أنا لي منزل بالأزبكية فيه أموال وجواهر وأمتعة وأشياء كثيرة وسراية ابني إسمعيل باشا ببولاق ومنزل الدفتردار ونحو ذلك ويتحسبل ويتحوقل ويعمل فكرته ويدبر أمره في أمر العسكر وعظمائهم وينقم عليهم ويعطيهم الأموال الكثيرة والأكياس العديدة لأنفسهم وعساكرهم وتنتبذ طائفة منهم ويقولون نحن لن ننهب ولم يحصل لنا كسب فيعطيهم ويفرق فيهم المقادير العظيمة فأنعم على عابدين بك بألف كيس ولغيره دون ذلك.
وفي أثناء ذلك، أخرج جردة من عسكر الدلاة ليسافروا إلى الديار الحجازية فبرزوا إلى خارج باب الفتوح حيث المكان المسمى بالشيخ قمر ونصبوا هناك وطاقهم وخرجت أحمالهم وأثقالهم.
وفي ليلة الخميس، ثارت طائفة الطبجية وخاضوا وضجوا وهم نحو الأربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيساً ففرقت فيهم الأربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيساً ففرقت فيهم فسكتوا وفي يوم الخميس المذكور نزل كتخدا بك وشق من وسط المدينة ونزل عند جامع الغورية وجلس فيه ورسم لأهل السوق بفتح حوانيتهم وأن يجلسوا فيها فامتثلوا وفتحوا الحوانيت وجلسوا على تخوف كل ذلك مع عدم الراحة والهدوء وتوقع المكروه والتطير من العسكر وتعدى السفهاء منهم في بعض الأحايين والتحزر والاحتراس وأما النصارى فإنهم حصنوا مساكنهم ونواحيهم وحاراتهم وسدوا المنافذ وبنو كرانك واستعدوا بالأسلحة والبنادق وأمدهم الباشا بالبارود ولآلات الحرب دون المسلمين حتى أنهم استأذنوا كتخدا بك في سد بعض الحارات النافذة التي يخشون وقوع الضرر منها فمنع من ذلك وأما النصارى فلم يمنعهم وقد تقدم ذكر فعله مع رضوان كاشف عندما سد باب داره وفتحه من جهة أخرى وعززه وضربه وبهدله بوسط الديوان.
وفيه، وصل نجيب أفندي وهو قبي كتخدا الباشا عند الدولة إلى بولاق فركب إليه كتخدا بك وأكابر الدولة والآغا والوالي وقابلوه ونظموا له موكباً من بولاق إلى القلعة ودخل من باب النصر وحضر صحبته خلع برسم الباشا وولده طوسون باشا وسفيان وشلنجان وهدايا وأحقاق تشوق مجوهرة وعملوا لوصوله شنكاً ومدافع من القلعة وبولاق.
وفيه، ارتحل الدلاة المسافرون إلى الحجاز ودخل حجو بك إلى المدينة بطائفته.
وفي ضحوة، ذلك اليوم بعد انفضاض أمر الموكب حصل في الناس زعجة وكرشات وأغلقوا البوابات والدروب واتصل هذا الإزعاج بجميع النواحي حتى بولاق ومصر القديمة ولم يظهر لذلك أصل ولا سبب من الأسباب مطلقاً.
وفي تلك الليلة، ألبس الباشا حجو خلعة وتوجه بطرطور طويل وجعله أميراً على طائفة من الدلاة وانخلع هو وأتباعه من طريقتهم التركية التي كانوا عليها وهؤلاء الطائفة التي يقال لهم دلاة ينسبون أنفسهم إلى طريقة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأكثرهم من نواحي الشام وجبال الدروز والمتاولة وتلك النواحي يركبون الأكاديش وعلى رؤوسهم الطراطير السود مصنوعة من جلود الغنم الصغار طول الطرطور نحو ذراع وإذا دخل لكنيف نزعه من على رأسه ووضعه على عتبة الكنيف وما أدرى ذلك تعظيم له عن مصاحبته معه في الكنيف أو الخوف والحذر من سقوطه إن انصدم باسفكة الباب في صحن المرحاض أو الملاقي وهؤلاء الطائفة مشهورة في دولة العثمانيين بالشجاعة والإقدام في الحروب ويوجد فيهم من هو على طريقة حميدة ومنهم دون ذلك وقليل ما هم ولكونهم من تمام النظام رتبهم الباشا من أجناسه وأتراكه خلاف الأجناس الغريبة ومن بقي من أولئك يكون تبعاً لا متبوعاً.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره، حصل مثل ذلك المتقدم من الانزعاج والكرشات بل أكثر من المرة الأولى ورمحت الرامحان وأغلقت الحوانيت وطلبت الناس السقائين الذين ينقلون الماء من الخليج وبيعت القربة بعشرة أنصاف فضة والراوية بأربعين فنزل الآغا وأغات التبديل وأمامهم المناداة بالأمان وينادون على العساكر أيضاً ومنهم من حمل البنادق ويأمرون الناس بالتحفظ واستمر هذا الأمر والارتجاج إلى قبيل العصر وسكن الحال وكثر مرور السقائين وبيعت القربة بخمسة أنصاف والراوية بخمسة عشر ولم يظهر لهذه الحركة سبب أيضاً وتقول الناس بطول نهار ذلك اليوم أصنافاً وأنواعاً من الروايات والأقاويل التي لا أصل لها.
وفي يوم الأربعاء، سابع عشره حضر الشريف راجح من الحجاز ودخل المدينة وهو راكب على هجين وصحبته خمسة أنفار على هجن أيضاً معهم أشخاص من الأرنؤد من أتباع حسن باشا الذي بالحجاز فطلعوا به إلى القلعة ثم أنزلوه إلى منزل أحمد أغا أخي كتخدا بك.
وفي ليلة الخميس، قلد الباشا عبد الله أغا المعروف بصاري جله وجعله كبيراً على طائفة من الينكجرية أيضاً وجعل على رأسه الطربوش الطويل المرخي على ظهره كما هي عادتهم هو وأتباعه وكان من جملة المتهومين بالمخامرة على الباشا.
وفيه،برز أمر الباشا لكبار العسكر بركوب جميع عساكرهم الخيول ومنعهم من حمل البنادق ولا يكون منهم راجل أو حامل للبندقية إلا من كان من أتباع الشرطة والأحكام مثل الوالي والآغا وأغات التبديل ولازم كتخدا بك وأيوب آغا تابع إبراهيم آغا أغات التبديل والوالي المرور بالشوارع والجلوس في مراكز الأسواق مثل الغورية والجمالية وباب الحمزاوي وباب زويلة وباب الخرق وأكثر أتباعهم مغطرون في نهار رمضان ومتجاهرون بذلك من غير احتشام ولا مبالاة بانتهاك حرمة شهر الصوم ويجلسون على الحوانيت والمساطب يأكلون ويشربون الدخان ويأتي أحدهم وبيده شبك الدخان فيدني مجمرته لأنف ابن البلد على غفلة منه وينفخ فيه على سبيل السخرية والهذيان بالصمائم وزادوا في الغي والتعدي وخطف النساء نهاراً وجهاراً حتى اتفق أوفي أن شخصاً منهم أدخل امرأة إلى جامع الأشرفية وزنى بها في المسجد بعد صلاة الظهر في نهار رمضان.
وفي أواخره، عملوا حساب أهل سوق مرجوش فبلغ ذلك أربعمائة وخمسين كيساً قبضوا ثلثيها وتأخر لهم الثلث كل ذلك خلاف النقود لهم ولغيرهم مثل تجار الحمزاوي وهو شيء كثير ومبالغ عظيمة فإن الباشا منع من ذكرها وقال لأي شيء يؤخرون في حوانيتهم وحواصلهم النقود ولا يتجرون فيها واتفق لتاجر من أهل سوق الجيوش أنه ذهب من حاصله من حواصل الخان ثمانية آلاف فرانسة فلم يذكرها ومات قهر وكذلك ضاع لأهالي خان الحمزاوي من صرر الأموال والنقود والودائع والرهونات والمصاغ والجوهر مما يرهنه النساء على ثمن ما يشترونه من التجار والتفاصيل والمقصبات أو على ما يتأخر عليهم من الأثمان ما لا يدخل تحت المحصر ويستحيا من ذكره وضاع لرجل يبيع الفسيخ والبطارخ تجاه الحمزاوي من حانوته أربعة آلاف فلم يذكرها وأمثال ذلك كثير وانقضى شهر رمضان والناس في أمر مريج وخوف وانزعاج وتوقع المكروه ولم ينزل الباشا من القلعة بطول الشهر وذلك على خلاف عادته فإنه لا يقدر على الاستقرار بمكان أياماً وطبيعته الحركة حتى في الكلام وكبار العساكر والسيد محمد المحروقي ومن يصحبه من المشايخ ونقيب الأشراف مستمرون على الطلوع والنزول في كل يوم وليلة وللمتقيدين بالمنهوبين ديوان خاص وفرق الباشا كساوي العيد على أربابها ولم يظهر في هذه القضية شخص معين والكثير من العساكر الذين يمشون مع الناس في الأسواق يظهرون الخلاف والسخط ويظهر منهم التعدي ويخطفون عمائم الناس والنساء جهاراً ويتوعدون الناس بعودهم في النهب وكأنما بينهم وبين أهل البلدة عداوة قديمة أو ثارات يخلصونها منهم وفيهم من يظهر التأسف والتندم واللوم على المعتدين ويسفه رأيهم وهو المحروم الذي غاب على ذلك وبالجملة فكل ذلك تقادير إلهية وقضايا سماوية ونقمة حلت بأهل الإقليم وأهله من كل ناحية نسأل الله العفو والسلامة وحسن العاقبة، ومما اتفق أن بعض الناس زاد بهم الوهم فنقل ماله من حانوته إلى منزله أو حرز آخر فسرقها السراق وحانوته أو حاصله لم يصبه ما أصاب غيره وتعدد نظير ذلك لأشخاص كثيرة وذلك من فعل أهل البلدة يراقبون بعضهم بعضاً ويداورونهم في أوقات الغفلات في مثل هذه الحركات ومنهم من اتهم خدمه وأتباعه وتهددهم وشكاهم إلى حكام الشرطة ويغرم مالاً على ذلك أيضاً وهم بريؤن ولا يفيده إلا ارتكاب الإثم والفضيحة وعداوة الأهل والخدم وزيادة الغرم وغالب ما بأيدي التجار أموال الشركاء والودائع والرهونات ويطلبه أربابها ومنهم قليل الديانة وذهب من حانوته أشياء وبقي أشياء فادعى ضياع الكل لقوة الشبهة.

.شهر شوال سنة 1230:

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء وهو يوم عيد الفطر وكان في غاية البرودة والخمول عديم البهجة من كل شيء لم يظهر فيه من علامات الأعياد إلا فطر الصائمين ولم يغير أحد ملبوسه بل ولا فصل ثياباً مطلقاً ولا شيئاً جديداً ومن تقدم له ثوب وقطعه وفصله في شعبان تأخر عند الخياط مرهوناً على مصاريفه ولوازمه لتعطيل جمع الأسباب من بطانة وعقادة وغيرها حتى أنه إذا مات ميت لم يدرك أهله كفنه إلا بمشقة عظيمة وكسد في هذا العيد سوق الخياطين وما أشبههم من لوازم الأعياد ولم يعمل فيه كعك ولا شريك ولا سمك مملح ولا نقل ولم يخرجوا إلى الجبانات والمدافن أيضاً كعادتهم ولا نصبوا خياماً على المقابر. ولم يحسن في هذه الحادثة إلا امتناع هذه الأمور وخصوصاً خروج النساء إلى المقابر فإنه لا يخرج منهن إلا بعض حرافيشهن على تخوف ووقع لبعضهن من العسكر ما وقع عند باب النصر والجامع الأحمر.
وفي ثالثه، نزل الباشا من القلعة من باب الجبل وهو في عدة من عسكر الدلاة والأتراك الخيالة والمشاة وصحبته عابدين بك وذهب إلى ناحية الآثار فعيد على يوسف باشا المنفصل عن الشام لأنه مقيم هناك لتغيير الهواء بسبب مرضه ثم عدى إلى الجيزة وبات بها عند صهره محرم بك ولما أصبح ركب السفائن وانحدر إلى شبرا وبات بقصره ورجع إلى منزله بالأزبكية ثم طلع إلى القلعة.
وفي يوم الثلاثاء، ثامنه، عمل ديواناً وجمع المشايخ المتصدرين وخاطبهم بقوله أنه يريد أن يفرج عن حصص الملتزمين ويترك لهم وساياهم يؤجرونها ويزرعونها لأنفسهم ويرتب نظاماً لأجل راحة الناس وقد أمر الأفندية كتاب الروزنامه بتحرير دفاتر وأمهلهم اثني عشر يوماً يحررون في ظرفها الدفاتر على الوجه المرضي فأثنوا عليه خيراً ودعوا له فقال الشيخ الشنواني ونرجو من أفندينا أيضاً الإفراج عن الرزق الأحباسية كذلك فقال كذلك ننتظر في محاسبات الملتزمين ونحررها على الوجه المرضي أيضاً ومن أراد منهم أن يتصرف في حصته ويلتزم بخلاص ما تحرر عليها من المال الميري لجهة الديوان من الفلاحين بموجب المساحة والقياس صرفناه فيها وإلا أبقاها على طرفنا ويقبض فائظه الذي يقع عليه التحرير من الخزينة نقداً وعداً فدعوا له أيضاً وسكتوا فقال لهم تكلموا فإني ما طلبتكم إلا للمشاورة معكم فلم يفتح الله عليهم بكلمة يقولها أحدهم غير الدعاء له على أن الكلام ضائع لأنها حيل ومخادعة تروج على أهل الغفلات ويتوصل بها إلى إبراز ما يرومه من المرادات وعند ذلك انفض المجلس وانطلقت المبشرون على الملتزمين بالبشائر وهو الالتزام لتصرفهم ويأخذون منهم البقاشيش مع أن الصورة معلولة والكيفية مجهولة ومعظم السبب في ذكره ذلك أن معظم حصص الالتزام كان بأيدي العساكر وعظمائهم وزوجاتهم وقد انحرفت طباعهم وتكدرت أمزجتهم بمنعهم عنه وحجزهم عن التصرف ولم يسهل بهم ذلك فمنهم من كظم غيظه وفي نفسه ما فيها ومنهم من لم يطق الكتمان وبارز بالمخالفة والتسلط على من لا جناية عليه فلذلك الباشا أعلن في ديوانه بهذا الكلام بمسمع منهم لتسكن حدتهم وتبرد حرارتهم إلى أن يتم أمر تدبيره معهم.
وفيه، وصلت هجانة وأخبار ومكاتبات من الديار الحجازية بوقوع الصلح بين طوسون باشا وعبد الله بن مسعود الذي تولى بعد موت أبيه كبيراً على الوهابية وأن عبد الله المذكور ترك الحروب والقتال وأذعن للطاعة وحقن الدماء وحضر من جماعة الوهابية نحو العشرين نفراً من الأنفار إلى طوسون باشا ووصل منهم اثنان إلى مصر فكأن الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك ولم يحسن نزل الواصلين ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا وذكرا أن الأمير مسعوداً المتوفي كان فيه عناد وحدة مزاج وكان يريد الملك وإقامة الدين وأما ابنه الأمير عبد الله فإنه لين الجانب والعريكة ويكره سفك الدماء على طريقة سلفه الأمير عبد العزيز المرحوم فإنه كان مسالماً للدولة حتى أن المرحوم الوزير يوسف باشا حين كان بالمدينة كان بينه وبينه غاية الصداقة ولم يقع بينهما منازعة ولا مخالفة في شيء ولم يحصل التفاقم والخلاف إلا في أيام الأمير مسعود ومعظم الأمر للشريف غالب بخلاف الأمير عبد الله فإنه أحسن السير وترك الخلاف وأمن الطرق والسبل للحجاج والمسافرين ونحو ذلك من الكلمات والعبارات المستحسنات وانقضى المجلس وانصرفا إلى المحل الذي أمرا بالنزول فيه ومعهما بعض أتراك ملازمون لصحبتهما مع أتباعهما في الركوب والذهاب والإياب فإنه أطلق لهما الإذن إلى أي محل أراده فكانا يركبان ويمران بالشوارع بأتباعهما ومن يصحبهما ويتفرجان على البلدة وأهلها ودخلا إلى الجامع الأزهر في وقت لم يكن به أحد من المتصدرين للإقراء والتدريس وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية واشتريا نسخاً من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغير ذلك وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنساً وطلاقة لسان واطلاعاً وتضلعاً ومعرفة بالأخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف واسم أحدهما عبد الله والآخر عبد العزيز وهو الأكبر حسناً ومعنى.
وفي يوم السبت تاسع عشره، خرجوا بالمحمل إلى الحصوة خارج باب النصر وشقوا به من وسط المدينة وأمير الركب شخص من الدلاة يسمى أوزون أوغلي وفوق رأسه طرطور الدالاتية ومعظم الموكب من عساكر الدلاة وعلى رؤسهم الطراطير السود بذاتهم المستشبعة وقد عم الإقليم المسخ في كل شيء فقد تغص الطبيعة وتتكدر النفس إذا شاهدت ذلك أو سمعت به وقد كانت نضارة الموكب السالفة في أيام المصريين ونظامها وحسنها وترتيبها وفخامتها وجمالها وزينتها التي لم يكن لها نظير في الربع المعمور ويضرب بها المثل في الدنيا كما قال قائلهم فيها، مصر السعيدة ما لها من مثيل فيها ثلاثة من الهنا والسرور مواكب السلطان وبحر الوفا ومحمل الهادي نهار يدور فقد فقدت هذه الثلاثة في جملة المفقودات.
وفي ثالث عشرينه، وصل قابجي وعلى يده تقرير ولاية مصر لمحمد علي باشا على السنة الجديدة فعملوا لذلك الواصل موكباً من بولاق إلى القلعة وضربوا مدافع وشنكاً وبنادق.